مقاربة نقدية للمجموعة القصصية “عِبرة وعَبرة” للكاتب عبد القادر بوراص مع دراسة تطبيقية لقصة الهاشمي الملقب بالسبنيولي

بقلم المبدع والناقد ذ. محمد مهداوي

☆☆☆☆☆☆

1-عتبة العنوان:
يُعدّ العنوان عنصرًا أساسيًّا في العمل الأدبي، فهو يُقدّم مدخلًا دلاليًّا وشرفة مناسبة نطل بها على النصوص، كما يعمل على تحديد هوامش التأويلات. ف”عِبرة وعَبرة”، مفردتان متشابهتان من الناحية الصوتية والبصرية، لكنهما مختلفتان من حيث المعنى والدلالة:
إن لفظة “عِبرة”، بكسر العين، ترمز إلى الحكمة والموعظة، وتحمل بين طياتها البُعد التعليمي التربوي.
أما “عَبرة” بفتح العين فهي مرادفة للدمعة، وتدل على البُعد الإنساني والعاطفي.
ويُلاحَظ أن الاختلاف في حركة حرف العين (الفتح والكسر) أدى إلى اختلاف في المعنى بين اللفظتين، رغم اشتراكهما في الجذر والأحرف، وهذا ما يسمى بالجناس الناقص أو غير التام.
كما أن العنوان يبرز العلاقة بين العقل(عِبرة) والعاطفة (عَبرة)، أو بين التفكير والشعور. فهو يبين أن القصص لا تقتصر على تقديم الدروس والعِبر فحسب، بل تتجاوز ذلك لتُثير مشاعر القارئ وتجعله أكثر تفاعلا مع النصوص.

2- البنية السردية للمجموعة القصصية “عِبرة وعَبرة”:
من بين الهياكل الأساسية التي تعتمدها النصوص السردية بصفة عامة.
* السرد: من خلاله يتم عرض الأحداث بشكل متسلسل ومنطقي، وهو الذي يساعد على دفع الأحداث للأمام مما يساعد على تماسك الحبكة وتطورها وتماسكها.

  • الشخصيات : غالبا ما تكون هامشية، مقهورة، مسحوقة اجتماعيًا، مما يعكس واقع الفئات المستضعفة.
  • الصراع: قد يكون داخليا بين الشخصية نفسها أو خارجيا مع شخص آخر أو ما يمثله من قوة طبيعية أو مجتمعية أو سلطوية، يوجد صراع رئيسي بين القيم النبيلة والانحراف الأخلاقي، بين الفرد والمجتمع، بين السلطة والناس البسطاء، كما توجد صراعات ثانوية تخدم الجانب السردي العام.
  • الحدث عنصر أساسي في بناء القصة: يعتبر الحدث من الركائز الأساسية للقصة، ويجب أن يكون مشوقا وذا معنى، وهو الذي يحدث التوترات ويجمع بين عناصر الحبكة بشكل منطقي.
  • الزمن: تتخذ القصص بنية تسلسلية أو متقطعة، وفقًا لطبيعة القصة، حيث يتم أحيانًا تسخير الماضي لتفسير الحاضر ما يسمى بالاسترجاع الزمني أو فلاش باك، كما اعتمد ساردنا
    على عملية تكسير الزمان ومزجه بين الحاضر والماضي والمستقبل.
  • الراوي: الراوي أحيانا يكون عالمًا بكل شيء (راوٍ كلي المعرفة)، أو شاهدًا الأحداث، أو يرى الأحداث عن بعد وحيادية…
  • الحوار:يساعد الحوار في دفع عجلة السرد نحو الأمام، ويبرز الصراعات والتوترات بين مختلف الشخصيات، وهو يخلق نوعا من الإثارة والتشويق.
  • الحبكة: هي العمود لفقري لأي عمل سردي، وتهتم بتسلسل الأحداث وترابطها وتطويرها وتماسكها.
  • اللغة والأسلوب:
    لغة المجموعة واقعية، مشحونة بالعواطف وفقًا لطبيعة كل قصة، وتنحو في بعض المواقف إلى الرمزية البسيطة أو العجائبية الموغلة. كما تم استخدام السخرية والفكاهة لتسليط الضوء على الفساد السياسي والاجتماعي، ما يجعل القارئ يعيد التفكير في القيم السائدة.

3- التحليل الاجتماعي الواقعي للنصوص السردية:
تتناول المجموعة القصصية “عِبرة وعَبرة” مواضيع اجتماعية تمثل مشكلات جوهرية في المجتمع المغربي والانساني، سنحاول الكشف عن بعضها.
أ. من بين القضايا الاجتماعية المطروحة ما يلي:

  • الظلم والحڭرة: الشخصيات تعاني من التمييز الطبقي أو الاجتماعي، وتواجه صعوبات بسبب استغلال نفوذ السلطة، الدين، أوالتقاليد والأعراف.
    النصوص قد تبرز التفاوت بين الأغنياء والفقراء، المسؤولين والمواطنين البسطاء، وتنتقد هيمنة الطبقة المتسلطة.
  • الفساد الأخلاقي والسياسي:
    تُبرز بعض القصص الواردة في الكتاب كيف يستغل السياسيون جهل الناس وفقرهم للوصول إلى السلطة، من خلال وعود كاذبة أو استغلال حاجتهم.
    يتم انتقاد الرشوة والمحسوبية وغياب العدالة الاجتماعية.
  • الهجرة السرية:
    القصص تعالج البطالة والضياع الذي يعيشه الشباب، فيسعون للهجرة غير الشرعية بحثًا عن حياة أفضل.
    كما تسلط الضوء على مخاطر البحر، الاستغلال، الإهانة والوهم الذي يتم بيعه للمهاجرين. من بين القصص التي تعالج هذا الموضوع ما يلي: قارب الموت المشؤوم ص 85- حلم يسقط على أعتاب الهجرة ص80- هجرة النمل السرية ص 96- السبنيولي الصياد ص91-الوجه الآخر لعجرود ص99-
  • الشعوذة والجهل:
    يتم تناول كيف تؤثر الخرافات على حياة البسطاء، خاصة عندما تُستخدم الشعوذة كوسيلة لحل المشاكل الاجتماعية أو الاقتصادية ونستدل ب: لالة شامة ص20– سيدي الغريب ص29- الخميسة ص 40-زين الرياس ص69.
  • الأمية تجعل الشخصيات ضحايا سهلة للخداع، سواء من قبل السياسيين أو المشعوذين أو حتى المجتمع.
  • ظاهرة وأد البنات: وأد بركة ص-62 البنت التي انفلتت من الوأد وأصبحت طبيبة تداوي المرضى وتحن على المكلومين والمستضعفين.
  • التطرف الديني: قدر سكينة ص47.
  • الجانب القومي: قصة تعكس الصراع العربي الفلسطيني مع الصهاينة المغتصبين، وتتجلى في قصة هتلر يموت مرتين ص66.
  • الطرد الجائر: ويتجلى في طرد السلطة الجزائرية ل350 ألف مغربي، في يوم عيد الأضحى، وتمثلها قصة خيبة أمل اللقاء ص
  • التحليل العجائبي الغرائبي للنصوص:
    استعمل ساردنا مفهوم العجائبية والغرائبية في نصوصه، سواء من خلال استحضار الأسطورة أو بعض الثقافات الشعبية والخيالية، مثل عروس البحر، الصرار والنملة، كرامات الأولياء، الخميسة، الوعدات والصدقات، لالة شامة، سيدي الغريب…

إن قصة عنترة بن شداد وابن بطوطة وهتلر، قصص دالة على تصادم الحضارات، وهي على تقنية الرحلة عبر الزمن، حيث ينتقل البطل من العصر الذي يعيش فيه إلى العصر الحديث، مما يخلق مفارقات زمنية مثيرة، ويمكن تصنيف هذا النوع من السرد ضمن أدب الخيال التاريخي مما يولد صدمة حضارية تدفع إلى التأمل في التحولات الزمنية.

  • زمن النص يكون دائما مفارق وغير خطي، حيث يحدث القفز على العصور، وهو ما يخلق تداخلًا بين الزمن التاريخي (عصر ابن بطوطة) والزمن الحديث (مصر المعاصرة). عنترة هو نفسه أحس بهذه الطفرة الزمنية، رغم إعجابه بالمكتبات والنوادي الثقافية، لكنه تفاجأ لمستوى الشعر، حيث وصل على قمة الابتذال والإسفاف.
    ونفس الشيء لهتلر الذي مات منافحا عن القضية الفلسطينية ضد الصهاينة المغتصبين.

يدخل هذا النوع من الأدب ضمن الأدب الفانتازي التاريخي، حيث تُستخدم الشخصيات والأحداث لإثارة أسئلة حول الهوية، والتطور، والاغتراب…

  • البنية السردية تهتم بنموذج “البطل الصادم”؛ مما يؤدي إلى حالة من الذهول وعدم التكيف، حيث يدفع القارئ للتفكير في الفجوة الحضارية بين العصور، ومن خلال هذه الرحلة، يلمّح النص إلى أن التقدم التكنولوجي قد يعني تقدمًا فكريًا أو اجتماعيًا، لكن لا يعني تقدما على مستوى القيم والأخلاق مثلا…

4- انعكاس الواقع في النصوص
القصص لا تعكس فقط مشاهد من الحياة اليومية، بل تقدم رؤية نقدية للمجتمع، حيث يتم تصوير الشخصيات كضحايا لنظام غير عادل، وفي قالب فكاهي، يغلب عليه التندر والمزاح…

5- التحليل النفسي:
يركز التحليل النفسي على الدوافع العميقة للشخصيات، وتأثير الظروف الاجتماعية عليها.

أ. الشخصيات والصراع الداخلي:
شخصيات المجموعة تعيش قلقًا نفسيًا دائمًا بسبب القهر والفقر والظلم، مما يؤدي إلى:
ـ الإحباط واليأس: يظهر في الشخصيات التي تفقد الأمل وتلجأ إلى الهجرة أو الجريمة أو الشعوذة.

ـ الغضب والتمرد: بعض الشخصيات تحاول الثورة على الواقع، لكنها تواجه عواقب وخيمة.
ـ الانهزام والاستسلام: بعض الشخصيات تتقبل مصيرها دون مقاومة، نتيجة التربية على الخضوع أو الخوف.

ب. أثر القهر الاجتماعي على النفسية:
يتم تصوير الشخصيات وهي تعاني من الخوف، القلق، العزلة، والضغط النفسي، نتيجة للظروف الاقتصادية والسياسية.
بعض القصص قد تحتوي على شخصيات تعاني من الانفصال عن الواقع (الجنون، الأوهام، الاكتئاب) بسبب الضغط الاجتماعي أو الاستغلال.
يتم توظيف أحلام الشخصيات وهواجسها كأداة لتوضيح صراعاتها الداخلية.

6- تطبيق هرم فريتاغ:
وهو معروف أيضًا بالقوس الدرامي أو بنية الأدب الدرامي، هو نموذج تحليلي للبنية السردية للقصص والمسرحيات، طوره الكاتب المسرحي الألماني غوستاف فريتاغ في القرن التاسع عشر. يُقسم هذا الهرم القصة إلى خمس مراحل رئيسية، تُستخدم لفهم تطور الحبكة في الأعمال الدرامية.
المراحل الخمس لهرم فريتاغ:

المقدمة (Exposition): تقديم الشخصيات الرئيسية، وتحديد الزمان والمكان، وتوفير الخلفية الضرورية لفهم القصة.

الحدث الصاعد أو تصاعد الأحداث (Rising Action):تطوير الصراع الرئيسي من خلال سلسلة من الأحداث التي تزيد من تعقيد الحبكة وتبني التوتر.

الذروة (Climax): نقطة التحول الكبرى للقصة، حيث يصل التوتر إلى ذروته، وتحدث المواجهة الحاسمة بين القوى المتعارضة.

الحدث النازل: أو السقوط(Falling Action) الأحداث التي تلي الذروة، حيث تبدأ التوترات في الانحسار، وتتحرك القصة نحو حل الصراع.

الخاتمة (Denouement): النتيجة النهائية للقصة، حيث يتم حل الصراعات، وتُختتم الحبكة.

يُعتبر هرم فريتاغ أداة مفيدة للكتاب والمحللين لفهم وتطوير البنية السردية للأعمال الدرامية، سواء كانت مسرحيات، روايات، أو أفلام.

7- البنية السردية لقصة الهاشمي الملقب بالسبنيولي:
لإجراء دراسة فريتاغ لقصة “السبنيولي الهاشمي”، سنركز على تحليل مكوناتها الداخلية، متجاوزين السياقات الخارجية، بهدف فهم كيفية تفاعل عناصر السرد لتشكيل المعنى.

  1. ملخص القصة:
    تبدأ القصة بصياد يُدعى السبنيولي الهاشمي، يذهب إلى البحر للصيد دون أن يحقق أي صيد ناجح. تظهر له عروس البحر، التي تأخذه إلى الضفة الأخرى، حيث يعمل في إسبانيا ويجمع المال. بعد فترة، يرغب في العودة إلى وطنه وأهله، فيذهب إلى البحر وينادي على عروس البحر لتعيده، لكنها لا تستجيب. يستيقظ فجأة ليجد أن ما مر به كان مجرد حلم، بعد أن وكزه أحد أصدقائه قائلاً: “انهض.. انهض.. فقد كنت تحلم”.

8- تطبيق هرم فريتاغ التقليدي البنية السردية لقصة الهاشمي الملقب بالسبنيولي:

البداية: تقديم الصياد ومعاناته مع الصيد.

التطور: ظهور عروس البحر ونقله إلى إسبانيا حيث ينجح في جمع المال.

الذروة: رغبته في العودة إلى وطنه ومحاولته التواصل مع عروس البحر.

النهاية: استيقاظه ليكتشف أن كل ما حدث كان حلمًا.

الثنائيات الضدية (Binary Oppositions):
تُبرز القصة عدة ثنائيات ضدية، منها:
الواقع مقابل الحلم: حيث يعيش الصياد تجربة خيالية تنتهي بالاستيقاظ على الواقع.
البحر مقابل اليابسة: البحر كمكان للمعاناة واليابسة (إسبانيا) كمكان للنجاح.
الفقر مقابل الثراء: تحول الصياد من الفقر إلى الثراء في حلمه.

الرموز (Symbols):
عروس البحر: ترمز إلى الأمل والتحول، وربما إلى الإغراء بالحلول السهلة.
البحر: يمثل مصدر الرزق والتحديات في حياة الصياد.

9- الخلاصة:
من خلال تحليل فريتاغ ، نلاحظ أن القصة تستخدم عناصر سردية تقليدية مع توظيف الرموز والثنائيات الضدية لتقديم رسالة حول التوازن بين الحلم والواقع، وأهمية مواجهة التحديات بدلاً من الاعتماد على الحلول الخيالية.

10- الخاتمة
مجموعة “عِبرة وعَبرة” تجمع بين السرد الواقعي، النقد الاجتماعي، والتحليل النفسي العميق، مما يجعلها نموذجًا للأدب الذي يعكس هموم المجتمع بطريقة تجمع بين السخرية والجدية، بين الواقع والرمز، وبين المعاناة والأمل، بين الحقيقة المنسوخة والعجائبية التي تقترب من حدود الفانتازيا…

بقلم محمد مهداوي

أسمهان مداش
أسمهان مداش