تحت عنوان “التدين الرقمي وجدلية القيم بين التيه التكنولوجي والتجذر الصوفي”، ألقى الدكتور هشام كزوط، أستاذ باحث في قضايا الإعلام والتواصل الإستراتيجي بجامعة محمد الأول وجدة ومنسق شعبة الإعلام والتواصل بكلية الآداب والعلوم الإنسانية، مداخلة عميقة ضمن فعاليات الملتقى التاسع عشر حول التصوف، الذي نظمته مشيخة الطريقة القادرية البودشيشية ومؤسسة الملتقى يوم السبت 14 شتنبر 2024. تناول الدكتور كزوط في مداخلته إشكاليات التحولات القيمية التي فرضتها البيئة الرقمية على المرجعية الدينية، وتأثيرات السوق الإعلامية والاستهلاك الموجه على الخطاب الديني.

في بداية مداخلته، أشار الدكتور هشام كزوط إلى أن البيئة الرقمية الحالية، والتي تشهد تسارعاً غير مسبوق في تطور التكنولوجيا، قد أثرت بعمق في ممارسات التدين. فقد باتت الأديان تجد نفسها أمام تحديات جديدة، خصوصاً مع ظهور ما يسمى “التدين الرقمي”، حيث يستخدم الأفراد والمنظمات الدينية وسائل التواصل الاجتماعي والمنصات الرقمية لنشر أفكارهم والتواصل مع جمهورهم. وهذا التحول يطرح أسئلة حول أصالة القيم الدينية ومدى تأثير التكنولوجيا على جوهر التدين.
تطرق الدكتور كزوط إلى إشكالية التحولات القيمية التي يعيشها الخطاب الديني في ظل البيئة الرقمية. فقد أوضح أن السوق الإعلامية العالمية تفرض استهلاكاً موجهاً للمعلومات والرسائل الدينية، مما يؤدي إلى “تسليع” الدين واستخدامه كمنتج يُعرض للجمهور بأساليب قد تفقده روحه الأصيلة. وبهذا، أصبح التدين الرقمي محكوماً بمنطق العرض والطلب، وهو ما يخلق تشوهات في المرجعية الدينية.
في مقابل هذا التيه التكنولوجي الذي يعيشه التدين الرقمي، شدد الدكتور كزوط على أهمية العودة إلى القيم الصوفية الأصيلة التي تتميز بالعمق الروحي والتجذر في الأخلاق الدينية. واعتبر أن التصوف يمثل بديلاً حقيقياً أمام الاستهلاك السطحي الذي يفرضه العالم الرقمي، حيث يعزز التصوف القيم الروحية ويرسخها في عمق التجربة الإنسانية، بعيداً عن التشتت الذي يخلقه التدين الرقمي.
في ختام مداخلته، سلط الدكتور كزوط الضوء على التحديات التي تنتظر التدين في المستقبل في ظل سيطرة الذكاء الاصطناعي وازدياد الاعتماد على التكنولوجيا في الحياة اليومية. وأشار إلى أن هذه التحولات ستؤدي إلى إعادة تشكيل القيم الدينية بما يتماشى مع واقع جديد يتسم بالسيولة المعلوماتية والتحول المستمر.
مداخلة الدكتور هشام كزوط قد فتحت الباب أمام نقاشات معمقة حول مستقبل التدين في ظل التكنولوجيا الحديثة والتحديات التي يواجهها الخطاب الديني في عصر الذكاء الاصطناعي. وبينما يفرض السوق الإعلامي الاستهلاكي نماذج جديدة من التدين، يظل التصوف حلاً بديلاً يحافظ على القيم الروحية والعمق الديني في مواجهة هذا التيه التكنولوجي.

