افتتحت في مدينة مداغ بإقليم بركان فعاليات الدورة الـ19 للملتقى العالمي للتصوف، والذي ينظم تحت الرعاية السامية لأمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس. هذا الملتقى، الذي أصبح تقليدًا سنويًا ذا طابع عالمي، يحمل هذه السنة شعارًا يعكس تحديات العصر الراهن: “التصوف وآفاق القيم في زمن الذكاء الاصطناعي”.
أقرأ أيضا : الذكاء الاصطناعي يتنصت على حياتك اليومية… هل أنت مراقب؟
يهدف هذا الملتقى، المنعقد من 10 إلى 16 سبتمبر 2024، إلى فتح نقاش علمي وفكري حول تأثير التطورات التكنولوجية السريعة، وخاصة الذكاء الاصطناعي، على القيم الروحية والأخلاقية. فمع بروز تكنولوجيات حديثة تغيّر ملامح الحياة اليومية للبشر، تزداد الحاجة إلى التفكير في كيفية توظيف هذه الأدوات التقنية لتحقيق الخير العام وتعزيز القيم الإنسانية، وهي القيم التي طالما اعتنى بها التصوف كمدرسة روحية تهدف إلى تحقيق العدالة، التوازن، والسلام الداخلي.
سيشهد الملتقى مشاركة نخبة من العلماء والمفكرين من مختلف أنحاء العالم، الذين سيتناولون في محاضراتهم وورشاتهم مجموعة من القضايا التي تتعلق بتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، وتوظيفها لخدمة الإنسانية دون المساس بالقيم الروحية. فالتكنولوجيا، رغم فوائدها المتعددة، تشكل تحديًا كبيرًا على المستوى الأخلاقي، وهو ما يدعو إلى إيجاد أرضية مشتركة بين التقدم العلمي والقيم الدينية والروحية.
وستطرح النقاشات محاور متعددة تهدف إلى فهم أعمق للعلاقة بين الإنسان والآلة في ضوء التصوف، منها تأثير الذكاء الاصطناعي على مفهوم الذات الإنسانية، وكيف يمكن للتصوف أن يسهم في تقديم رؤية متوازنة تجمع بين الاستخدام الرشيد للتكنولوجيا والتمسك بالقيم الروحية.
في عالم أصبح الذكاء الاصطناعي جزءًا لا يتجزأ من الحياة اليومية، يبقى السؤال المهم هو: كيف يمكن الحفاظ على القيم الروحية والأخلاقية في هذا السياق؟ التصوف، بمنهجيته التي تركز على التزكية الذاتية والتحرر من القيود المادية، يقدم إطارًا مثاليًا لمناقشة هذه القضايا. فمن خلال التجارب الروحية التي يتيحها التصوف، يمكن للأفراد أن يجدوا توازنًا بين التقدم التكنولوجي وبين القيم التي تحكم حياتهم.
ويأتي هذا الملتقى ليؤكد مجددًا الدور الهام للتصوف في الحفاظ على هوية الإنسان الروحية في مواجهة التحديات التي يفرضها العصر الرقمي. فالذكاء الاصطناعي قد يغير كثيرًا من جوانب الحياة، لكنه لا يستطيع أن يلغي حاجة الإنسان إلى التأمل الروحي والقيم التي تعزز السلم الداخلي.
يعد الملتقى فرصة للنقاش حول كيفية تطوير رؤية مستقبلية تمكن المجتمعات من الاستفادة من الذكاء الاصطناعي دون التضحية بالقيم الإنسانية. هذه الرؤية تتمثل في كيفية خلق انسجام بين الابتكار التكنولوجي والأخلاقيات الروحية التي تقوم عليها المجتمعات.
الملتقى العالمي للتصوف في مداغ لهذا العام يضعنا أمام إشكالية العصر: كيف يمكننا استخدام الذكاء الاصطناعي كأداة لتعزيز القيم، وليس كوسيلة تقضي عليها؟ يبقى التصوف بما يحمله من قيم وأبعاد روحية إطارًا ملهمًا لهذا النقاش العالمي الذي يجمع بين العلماء، المفكرين، والمهتمين بالشأن الروحي والتكنولوجي على حد سواء.





