عاشت مدينة ابن أحمد، التابعة لإقليم سطات، خلال الساعات الأخيرة، على وقع جريمة مروعة ارتكبها شخص يعاني من اضطرابات عقلية، خلّفت وراءها ضحيتين وأجواءً من الذعر والخوف في صفوف الساكنة. الواقعة أعادت إلى الواجهة ملفا حساسا طالما أُهمل: التعامل مع المرضى النفسيين الذين قد يشكلون خطرا على المجتمع.وحسب معطيات كشفها مصدر محلي موثوق لجريدة “لو48 إنفو”، فإن المتهم سبق أن أُحيل أكثر من مرة على مصلحة الأمراض العقلية، إلا أنه كان يغادر المستشفى دون تنسيق مع السلطات المحلية أو الأمنية، ما طرح تساؤلات خطيرة حول طريقة تدبير هذا النوع من الحالات.الجريمة، التي وقعت في ظروف غامضة، تزامنت مع اكتشاف أشلاء بشرية داخل مرحاض ملحق بالمسجد الأعظم في المدينة. هذا الاكتشاف المروع دفع مختلف الأجهزة الأمنية إلى إعلان حالة استنفار قصوى، حيث انتقلت فرق من الشرطة القضائية، والشرطة التقنية والعلمية، والسلطات المحلية والقوات المساعدة إلى عين المكان، بدعم من فرق خاصة قدمت من مدينة سطات، من أجل فك خيوط هذه الجريمة الشنيعة.التحقيقات كشفت أن الجاني، الذي كان يعتني أحيانا بمكان الوضوء في المسجد، اعترف بقتل الضحية الأولى، قبل العثور لاحقا على أشلاء الضحية الثانية. وبعد انتهاء فترة الحراسة النظرية، قرر الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بسطات إحالة المتهم على قاضي التحقيق ومتابعته في حالة اعتقال.هذه المأساة أثارت من جديد النقاش حول تسريح المرضى النفسيين دون ضمانات متابعة أو رقابة، ما يجعلهم يعودون إلى الشوارع قنابل موقوتة تهدد سلامة المواطنين.وفي هذا السياق، صرّح عبد الصمد بنعيسى، الباحث في علم النفس، لجريدة “هسبريس”، أن الفراغ القانوني وضعف التنسيق بين المصالح الصحية والأمنية يمثلان تحديا كبيرا في السياسة العمومية للصحة النفسية بالمغرب. وأكد بنعيسى على الحاجة إلى رؤية مندمجة تحترم حقوق المرضى وتحمي المجتمع في الآن ذاته.كما دعا إلى إحداث قاعدة بيانات مشتركة بين المستشفيات والسلطات الأمنية، مع تفعيل مقاربة وقائية ترتكز على الرصد والمواكبة المستمرة للحالات الحرجة.وفيما لا تزال التحقيقات مستمرة لكشف كل خيوط هذه الجريمة التي هزت مدينة ابن أحمد، يبقى السؤال الملح قائما:”إلى متى سيظل الخطر النفسي صامتاً بيننا؟ وهل تتحرك الجهات المعنية قبل أن تتكرر المأساة في ابن أحمد أو في مدينة أخرى؟”
