موقف المشرع الدستوري من التمثيلية النسائية في المحكمة الدستورية والمجلس الأعلى للسلطة القضائية والجماعات الترابية والمؤسسة التشريعية

ذ : سليمة فراجي

من الثابت ان المجلس الدستوري ( المحكمة الدستورية حاليا ) حسم الأمر لما تعلق الأمر بمدى مطابقة القانون التنظيمي للمحكمة الدستورية للدستور و اجاب على تعديلات الفرق البرلمانية التي اقترحت خلال الولاية البرلمانية 2011-2016 تخصيص 30 ٪؜ من الاعضاء المكونين للمحكمة من النساء بان فرض حصص مسبقة للنساء يخالف الدستور الذي ينص على المساواة وذلك بمقتضى القرار 14.943بتاريخ 2015/7/15 الذي قضى برفض تخصيص كوطا لتمثيل النساء داخل المحكمة الدستوريةً لعدم مطابقة هذا التخصيص للدستور الذي يحظر كل أشكال التمييز بسبب الجنس والذي ينص في الفقرة الاولى من الفصل 19 على تمتع المرأة والرجل على قدم المساواة بالحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية وبذلك لا يمكن للمشرع تخصيص نسب مضمونة مسبقا لأحد الجنسين في الوظائف العمومية لكون التمييز بين الجنسين يحظره دستور المملكة ، وتبقى العضوية في المحكمة الدستورية مشروطة بامتلاك الكفاءة القضائية او الفقهية او الإدارية والتكوين العالي في مجال القانون وممارسة المهام لمدة تفوق خمسة عشر سنة وللاشخاص المشهود لهم بالتجرد والكفاءة ، لذلك وبما ان اعضاء المحكمة الدستورية الاثنا عشر نصفهم منتخبون من طرف مجلس النواب ومجلس المستشارين ونصفهم معينون من طرف الملك فان وجود المرأة بالمحكمة الدستورية تم بواسطة التعيين الملكي لا الانتخاب ، لكون المرأة لا تحظى باصوات الناخبين ولا يتم تزكيتهن من طرف الاحزاب ، طبعا لحد الان !

ولكن لما تعلق الأمر بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية فان الدستور باعتباره أسمى قانون نص على التمثيلية النسائية اذ جاء في الفصل 115 من الدستور انه يجب ضمان تمثيلية النساء القاضيات من بين الاعضاء العشرة المنتخبين بما يتناسب مع حضورهن داخل السلك القضائي ، لذلك عكس المحكمة الدستورية التي نوقش قانونها التنظيمي داخل البرلمان والتي لم يتمكن اعضاء البرلمان من فرض تعديل ينتصر لنظام تخصيص نسبة للنساء ، فان المجلس الأعلى للسلطة القضائية حسم هذه النسبة في الدستور نفسه الذي فرض تمثيلية نسائية

اما بخصوص مهنة المحاماة ، فنحن نعلم اننا النخبة المثقفة المدافعة عن الحقوق والحريات وان مهام المحامي لا تختلف عن مهام المحامية وانه يصعب علينا ان نقيس وضعيتنا على وضعية الانتخابات الجماعية لما فرضت القوانين التنظيمية المتعلقة بالجماعات الترابية نسبة 30% من النساء كنائبات للرئيس لمواجهة المعيقات السوسيو ثقافية ومعضلة اقصاء النساء ،
اضافة إلى كون نظام الكوطا فشل بالنسبة للاستحقاقات التشريعية اذ انه اعتُبر اجراء مرحليا من اجل تدريب النساء على خوض المعارك الانتخابية إلا أنه لم يحقق النتيجة بحكم مجموع النساء حاليا بالبرلمان هو 95 امرأة من مجموع 395 عضوا. أي بنسبة بلغت 24 % لأول مرة في تاريخ الانتخابات بالمغرب ولكن ستة نساء فقط فزن عبر اللائحة المحلية اي بالانتخابات والباقي عبر لوائح مخصصة .
للإشارة سبق ان اثارت مسألة الكوطا النسائية في ظل دستور 1996 جدلا واسعا حول دستوريتها اذ اعتبر البعض ان تخصيص الكوطا النسائية مخالفة لمقتضيات الفصل 8 من الدستور انذاك الذي ينص على المساواة ما بين الرجل والمراة في الوقت الذي ذهب فيه البعض الاخر الى اعتبار ان هذا التمييز ايجابي الهدف منه هو ضمان اشراك المراة في تدبير الشان العام السياسي، لذلك فان الجدل حول تخصيص النسب ليس جديدا ، ولكن ما نستنتجه انه لم يمهد الطريق للنساء من اجل التموقع وخوض المعارك الانتخابية ما دامت الولاية البرلمانية لازال عدد النساء فيها مرتكزا على نظام الكوطا بل تراجع عدد الفائزات بالانتخاب خلال الولاية الحالية مقارنة مع السابقة
الشيء الذي يجعل الاجراء المرحلي الذي هو نظام الكوطا لم يحقق الهدف المنشود واستمر المشرع في فرض النساء بواسطة نظام تخصيص الحصص المسبقة

اما بالنسبة لهيئات المحامين فان الاستحقاقات الانتخابية لسنة 2023 أفرزت تمثيلية نسائية ضعيفة، وعجزت المرشحات سواء لمنصب النقيب أو العضوية من خلق الحدث وتفعيل المقتضى الدستوري الذي ينص على المناصفة والمساواة بين الجنسين ، و بذلك مرة اخرى لم تستطع المرأة المحامية خلال هذه الانتخابات المهنية أن تنتصر للنص الدستوري في إقرار المناصفة في تحمل المسؤولية.

وهكذا تم تكريس هزالة الترشيحات للمحاميات لمنصب نقيبة المحامين. وقد سجّل في هذا الصدد ندرة الترشيحات التي تقدمت بها محاميات لهذا المنصب. فمن بين 17 هيئة ترشّحت 4 محاميات هن سليمة فراجي بهيئة وجدة وجميلة الحلواط بهيئة تازة ونعيمة برحو بهيئة طنجة وفطومة توفيق من هيئة مكناس، وهو رقم قياسي بالنظر للولاية السابقة التي تقدمت فيها مرشحة واحدة.

أما نتائج الاستحقاقات الانتخابية للعضوية في مجالس الهيئات فقد أفرزت 21 محامية، أي ناقص واحدة، مقارنة مع الولاية السابقة، بل إن مجالس سجلت صفر محامية في مراكش ووجدة وتطوان والجديدة وخريبكة، في حين أن مجالس كبرى كالرباط والدار البيضاء تراوحت التمثيلية النسائية فيها بين 2 و3 محاميات، وبهذا لم يستطع العنصر النسوي من تجاوز نسبة 8.23 في المائة من المجموع العام البالغ 255 محاميا.

علما ان الولاية السابقة بلغت التمثيلية النسائية فيها بمجالس 17 هيئة من هيئات المحامين بالمغرب المشكلة من 255 عضوا ما مجموعه 23 زميلة للفترة من 2021 إلى 2023، أي بمعدل 9.01 %، مع تسجيل ان ست هيئات لم تسجل انتخاب اية محامية ، وتراوح العدد في الهيئات الاخرى بين واحدة او اثنتين واستثناء الرباط باربع عضوات .
واذا كنا نعلم انه لا وجود لمحامية نقيبة في المغرب وبذلك يتعذر الترشح لغير النقباء في منصب رئيس الجمعية ونائبيه ، والكاتب العام وامين المال ، اما المناصب الاخرى المتعلقة بالشؤون الثقافية ، والاجتماعية وشؤون التمرين فان الترشح لها مشروط بالعضوية في المجالس والحال ان عدد جميع محاميات المغرب الناخبات لا يتعدى 21محامية
لذلك اذا كنا نعلم ان عدد اعضاء المجالس هو 265 فان عدد المحاميات المحدد في 21 لم يمنح فرصا كثيرة للفوز بعضوية جمعية هيئات المحامين ، طبعا في المناصب غير منصب النصيب باعتبار انه لم يسبق ان تم انتخاب محامية نقيبة
الشيء الذي نستوحي من خلاله ان النتيجة كانت معروفة مسبقا وانه لا داعي للتباكي لان انتخاب النقباء واعضاء المجالس بتمثيلية باهتة للنساء هي التي حسمت في نتيجة تشكيلة مكتب جمعية هيئات المحامين
كما هي عليه الان

لذلك اذا كان البعض لا يرضى بنظام الكوطا ويعتبره ريعا، ولا يتماشى مع مبدأ الكفاءة والمساواة ، ولا نرضى ان نستجدي المشرع او ان يفرض علينا المشرع ونحن النخبة المثقفة 30 في المائة في المجالس من النساء كما فعل بالنسبة لرؤساء الجماعات والجهات والمجالس الاقليمية ، فلننتظر تطورا طبيعيا عبر العقود والاجيال علما ان جس النبض في صفوف المحامين بل وحتى المحاميات ابان عن تكريس قاعدة ابقاء ما كان على ما كان !!!
سليمة فراجي

إدارة الموقع
إدارة الموقع