كارثة صحية في قلب الشرق.. المركز الاستشفائي الجامعي بوجدة بين الآمال المعلقة والواقع المرير

في وقت كان فيه سكان جهة الشرق يترقبون بصيص أمل جديد في قطاع الصحة، بزيارة الوزير الأخيرة للمركز الاستشفائي الجامعي محمد السادس بوجدة، هذا الصرح الطبي الذي جاء ليضع حدًا لمعاناة سنوات طويلة من التنقل المرهق إلى مستشفيات الرباط ومدن أخرى، وجد المواطن نفسه في مواجهة واقع صادم، يتجلى في نقص حاد في أبسط المستلزمات الطبية وتدبير إداري يثير الكثير من علامات الاستفهام.

لقد كان الهدف من إنشاء هذا المركز الجامعي هو توفير خدمات طبية متقدمة تليق بتطلعات الساكنة، وضمان رعاية صحية ذات جودة عالية. إلا أن الوضع الحالي يكشف عن هوة شاسعة بين ما كان منتظرًا وبين ما هو قائم. فكيف يُعقل في سنة 2025، وفي ظل الإصلاحات الكبرى التي تعرفها المملكة على مستوى منظومة الحماية الاجتماعية، أن يفتقر مركز استشفائي من هذا الحجم إلى مواد طبية أساسية مثل المخدر الطبي (البنج)، المطهرات، القفازات الطبية، وغيرها من المستلزمات الضرورية؟

والمؤلم أكثر هو أن يُطلب من المرضى القادمين من مختلف أقاليم الجهة – من الناظور إلى بوعرفة، ومن فيجيج إلى قلب وجدة – أن يتكبدوا أعباء مالية إضافية لشراء هذه المستلزمات بأنفسهم قبل إجراء العمليات الجراحية. وضعية تذكرنا بممارسات قديمة عفى عنها الزمن، ولا تليق بمغرب اليوم الذي يسير بخطى ثابتة نحو تعزيز الحقوق الاجتماعية والصحية.

أما عن مواعيد الفحوصات الطبية وإجراء الفحوصات المتقدمة كالسكانير، فحدث ولا حرج. تأجيلات متكررة، وقوائم انتظار تطول لأشهر، وربما لعام كامل في بعض الحالات، مما يجعل المرضى يعيشون تحت ضغط نفسي وجسدي لا يحتمل.

أمام هذه الكارثة الصحية التي تضرب في عمق الحق الدستوري للمواطن في العلاج، تبرز أسئلة حارقة: أين هي الإدارة المسؤولة عن هذا المركز؟ ولماذا هذا الصمت المريب أمام معاناة المرضى؟ أليس من واجبها التحرك السريع لإيجاد حلول عاجلة تنقذ أرواحًا معلقة بين الأمل واليأس؟ أم أن هناك أولويات أخرى تتجاوز صحة المواطن؟

إن هذا الوضع الكارثي يستدعي تدخلًا عاجلًا من كافة الجهات المعنية، سواء على المستوى المحلي أو الجهوي أو الوطني. كما يتحتم على النواب البرلمانيين القيام بدورهم في مساءلة المسؤولين ودق ناقوس الخطر أمام الحكومة. لأن ما يحدث اليوم في المركز الاستشفائي الجامعي محمد السادس بوجدة ليس مجرد اختلالات عابرة، بل هو أزمة حقيقية تمس جوهر كرامة المواطن وحقه في العلاج.

صحة المواطنين ليست مجرد أرقام في تقارير رسمية أو شعارات في خطابات المناسبات. إنها مسؤولية حقيقية تستوجب اتخاذ قرارات حازمة وإجراءات ملموسة قبل أن يتحول هذا الصرح الطبي إلى مجرد مبنى فاخر بلا روح.

إدارة الموقع
إدارة الموقع