المرأة والموقع السياسي في المغرب: من التمكين الدستوري إلى معيقات التزكية والممارسة

على مشارف الانتخابات التشريعية لسنة 2026، وفي ظل توجيهات ملكية سامية دعت وزارة الداخلية إلى الإعداد الجيد لها واحترام آجالها، يفرض سؤال المشاركة النسائية نفسه بإلحاح. فهل ستشكل هذه المحطة فرصة لتكريس حضور فعلي للنساء داخل المؤسسات التمثيلية؟ أم أننا بصدد إعادة إنتاج مشهد سياسي يُؤثث شكليًا بالمرأة دون أن يدمجها جوهريًا في آليات القرار؟

لقد شهد المغرب منذ فجر الاستقلال تراكمات إيجابية في مجال حقوق المرأة، انطلقت برؤية المغفور له محمد الخامس حين قال: «إن الوطن الذي تُقصى فيه المرأة يشبه جسدًا مشلولًا لا يُنتظر منه نهوض»، لتتواصل تلك الإرادة السياسية في عهد جلالة الملك محمد السادس، الذي أكد في خطابه بمناسبة الذكرى الـ23 لتربعه على العرش:
“إن بناء مغرب التقدم والكرامة لن يتم إلا بمشاركة جميع المغاربة، رجالًا ونساءً، في عملية التنمية.”

ورغم هذا الزخم، لا تزال التمثيلية النسائية الحقيقية رهينة نظام الكوطا، الذي مكّن العديد من النساء من ولوج البرلمان، لكنه لم يترجم بعد إلى ترسيخ ثقافة سياسية تؤمن بالكفاءة النسائية خارج نظام التمييز الإيجابي.

إشكالات بنيوية تعيق التمكين

تكشف التجارب الانتخابية، خاصة خلال استحقاقات 2021، أن نسبة النساء الفائزات في الدوائر المحلية لم تتجاوز ست نساء، في مقابل 89 سيدة ولجن البرلمان عبر اللوائح الجهوية. ورغم أن هذه النسبة هي الأعلى تاريخيًا (95 من أصل 395 نائبًا)، فإن مصدرها ليس إرادة حزبية صادقة في ترسيخ المناصفة، بل استجابة تقنية لمقتضيات قانونية.

فالمعيقات السوسيوثقافية لا تزال حاضرة بقوة، مدعومة بعقلية حزبية ترى في تزكية المرأة مخاطرة غير محسوبة، لأنها – بحسب هذا المنطق – لا تملك المال ولا القاعدة الانتخابية الكافية، ولأن المعركة الانتخابية “تحتاج رجالًا”، كما يتردد في كواليس بعض الهيئات السياسية.

الأخطر أن هذه العقليات تتجاهل أن المرأة التي راكمت تجربة برلمانية عبر الكوطا، وأثبتت كفاءتها في التشريع والرقابة والعمل المؤسساتي، تُقصى لاحقًا من التزكية المحلية، فتُحرم من فرصة الاستمرارية، ويُجهض بذلك الاستثمار السياسي والمالي والمعنوي الذي صُرف على تأهيلها.

مفارقة الخطاب والممارسة

رغم التنصيص الدستوري الواضح في الفصل 19 على المناصفة، ورغم الالتزامات الدولية للمملكة، لا تزال الممارسات الحزبية تُعيد إنتاج منطق الهيمنة الذكورية، عبر تغييب النساء عن الدوائر المحلية، وتكريس حضورهن الرمزي بدل الفعلي. بل إن الأحزاب التي تصدّرت المشهد الانتخابي، وعلى رأسها الحزب الحاكم، لم تتمكن نساؤها من الفوز بأي مقعد محلي، ما يطرح أكثر من علامة استفهام.

ولا يمكن إغفال المفارقة الدستورية التي أبرزها رفض المحكمة الدستورية سنة 2015 تخصيص كوطا للنساء داخل المحكمة نفسها، بدعوى مخالفتها لمبدأ المساواة، رغم أن الفصول نفسها تُلزم الدولة بالسعي نحو المناصفة.

من الكوطا إلى التمثيلية الحقيقية: ما المطلوب؟

إذا كانت الكوطا قد أسهمت في ولوج النساء إلى البرلمان، فإن المطلوب اليوم هو تجاوز هذا السقف المؤقت نحو تمكين فعلي يضمن:
• تعديل آليات التزكية داخل الأحزاب وتحريرها من منطق الولاء المالي أو السياسي؛
• تأطير النساء وتكوينهن بشكل مستمر ومهني؛
• إعمال مبادئ الحكامة الحزبية في منح التزكيات والاستفادة من الكفاءات المتراكمة؛
• توفير ضمانات تشريعية أقوى لمناهضة التمييز الانتخابي؛
• بلورة استراتيجية وطنية للمناصفة تُلزم الدولة والأحزاب سويًا بإجراءات ملموسة.

فلا يمكن لبلد يطمح إلى التموقع ضمن الدول الصاعدة أن يبني اقتصاده ومؤسساته وقراراته على نصف كفاءاته فقط. إن النساء المغربيات، بفضل تراكمات نضالية وتشريعية، لم يَعُدن مجرد أدوات تزيين المشهد الديمقراطي، بل أصبحن فاعلات يتقنّ العمل التشريعي، ويستحققن الثقة

إننا، ونحن نلامس منعطفًا انتخابيًا جديدًا، لا نملك ترف الانتظار ولا متسعًا للمزيد من التجميل الخطابي. فتمكين المرأة في المغرب لم يعد شعارًا مرفوعًا في المؤتمرات، بل هو امتحان حقيقي لنزاهة المسار الديمقراطي، ومرآة صادقة لمدى احترامنا للكرامة والعدالة والفعالية المؤسساتية.

لم تعد الكوطا كافية، ولا التمثيلية الرمزية مجدية، ما لم تُترجم إلى مواقع حقيقية للقرار، ومجالات فعلية للتأثير. فقد تعب هذا الوطن من التوازنات المصطنعة، ومن الوجوه المتكررة، ومن الحضور النسائي المعزول والموسمي.كما تعب من انتصار الاحزاب لتمثيلية نسائية مبنية على منطق القبيلة والخليلة والحليلة بعيدا عن منطق الانتصار للكفاءة والتجرد

فالمرأة المغربية اليوم، بما راكمته من وعي وكفاءة وتجربة، لا تطلب امتيازًا، بل تطالب بحق مستحق في صناعة القرار، لا من موقع الضحية، بل من موقع الفاعل القادر على البناء والمساءلة والتشريع.

ولعلّ أول خطوة في هذا المسار تبدأ من كسر جدار الصمت داخل الأحزاب، ومن وضع المرأة في مقدمة المعركة الانتخابية، لا في هامشها، لأن مغرب الغد، إن لم تكن فيه النساء شريكات في القرار، فسيظل وطنًا يسير بعين واحدة… وبكفاءة منقوصة.

سليمة فراجي
محامية وبرلمانية سابقة

بلال شكلال
بلال شكلال