وجدة – 20 يوليوز 2025
تحولت قاعة الندوات بمعهد نوري التقني والعلمي، التابع للإقامة الجامعية الصفصاف بوجدة، إلى فضاء للحوار والتفكير الجماعي حول الإعلام والتحول في إفريقيا، وذلك من خلال ندوة وطنية نظمتها “أكاديمية المستقبل للإعلام والتواصل” بشراكة مع “الحدث الإفريقي” وجامعة محمد الأول، تحت عنوان دال: “الإعلام والتحول في إفريقيا: من نقل الأخبار إلى صناعة التغيير”.

ندوة جمعت بين نخب فكرية وإعلامية وأكاديمية من داخل المغرب وخارجه، لتفتح نقاشًا عميقًا حول الدور المستجد للإعلام في سياق ديناميات إفريقية متغيرة، حيث لم يعد الإعلام مجرد وسيط ناقل، بل أداة استراتيجية في صناعة السياسات العمومية، وتحفيز التنمية، وبلورة الوعي الجماعي، بل وحتى في حسم رهانات السيادة والدبلوماسية.أشغال الجلسات المخصصة للمداخلات ترأسها ربيع كنفودي، الإعلامي والطالب الباحث في مسلك الصحافة والإعلام الرقمي

وافتتح الدكتور الطاهر بالحضري، رئيس شعبة علوم الإعلام والتواصل الاستراتيجي بجامعة محمد الأول، النقاش بمداخلة حول قدرة الإعلام الإفريقي على تجاوز صورته التقليدية كـ”مرآة للأحداث” نحو أداء دور محوري في “صناعة التغيير”، داعيًا إلى إعلام واعٍ ومسؤول يواكب طموحات القارة، ويعكس نبضها الحقيقي.

الدكتور هشام كزوط، منسق ماستر الصحافة والإعلام الرقمي، سلط الضوء على أهمية “إعلام المواطن” ووسائل الإعلام الرقمية كقنوات جديدة تعيد تشكيل العلاقة بين الجمهور والمعلومة، وتمنح المواطن الإفريقي فرصة للمشاركة في صياغة الرأي العام.

في سياق تقني متسارع، كان للذكاء الاصطناعي حضوره اللافت في الندوة، حيث ناقش الدكتور هشام المكي، رئيس مختبر اللغات والإعلام والعلوم الشرعية، حدود حرية التعبير وأخلاقيات التأثير في عصر خوارزميات الذكاء الاصطناعي، في حين تطرّق الدكتور مصطفى لمريط إلى البعد الديونتولوجي للكفايات الصحفية في زمن التحول الرقمي.

أما الدكتور مدواني محمد، الخبير في الذكاء الاصطناعي، فقد طرح تصورًا مستقبليًا لـ”الإعلام الذي نريد”، داعيًا إلى تسخير الذكاء الاصطناعي لبناء إعلام تشاركي، متفاعل، ومتحرر من سطوة التوجيه الأيديولوجي.

الملف السيادي المغربي حول الصحراء كان حاضراً بقوة في المداخلات، من خلال قراءة الدكتور خالد الشيات، أستاذ القانون الدولي، الذي أبرز الدور البارز للإعلام في ترسيخ شرعية ملف الصحراء، وتوجيه الرأي العام الدولي نحو رؤية الحكم الذاتي التي تقدم بها المغرب منذ 2007 تحت قيادة جلالة الملك محمد السادس، معتبراً أن النصر الدبلوماسي المغربي كان نتيجة عبقرية إعلامية مواكبة لرؤية استشرافية.

الدكتورة فاطمة الزهراء البصراوي، نائبة رئيس جهة الشرق، ناقشت فرص التعاون بين جهات المغرب ونظيراتها في إفريقيا، معتبرة أن الإعلام يلعب دورًا محورياً في خلق شراكات بينية تنموية. من جانبها، لامست الدكتورة انتصار حدية، أستاذة بكلية الطب، التحديات البنيوية التي تواجه القارة الإفريقية، مشددة على أهمية الإعلام في تعبئة الموارد البشرية لمواجهة الفقر، الجهل، والهشاشة الصحية.

أما الخبير الإعلامي عبد السلام العزوزي، مدير “الحدث الإفريقي”، فقد نبّه إلى مخاطر الأخبار الزائفة في العصر الرقمي، داعياً إلى إعلام مسؤول يقوم على التحقق، والدقة، والمهنية، خصوصاً في سياق إفريقي حساس ومعقّد.

الندوة لم تكن فقط لحظة نقاش أكاديمي، بل شكلت خطوة نحو ترسيخ الدور الريادي لمدينة وجدة كمحطة فكرية وإعلامية على مستوى القارة، خصوصاً في ظل انفتاحها المتزايد على العمق الإفريقي، ومساهمتها في تعزيز الحضور المغربي في السياسات الإفريقية الجديدة.

وبين التحول التكنولوجي، وتحديات التنمية، ورهانات السيادة، خلص المشاركون إلى ضرورة دعم إعلام إفريقي قوي، مستقل، وتشاركي، قادر على أن يكون حليفًا رئيسيًا في معارك الحرية والديمقراطية والتنمية المستدامة، ورافعة مركزية لنهضة قارة بأكملها.


