في مفاجأة غير متوقعة، قدم تسعة أعضاء من المعارضة في جماعة فكيك استقالاتهم من المجلس البلدي، بعد مرور ثلاثة أشهر فقط من انتخابهم في الانتخابات الجزئية الأخيرة. هذا القرار الذي أثار الجدل في الأوساط السياسية والإعلامية، يأتي بعد استقالة مجموعة أخرى من الأعضاء في وقت سابق من نفس المجلس. ومع هذا التكرار، بدأت الأسئلة تطرح حول الأسباب الحقيقية وراء هذه الاستقالات، وما إذا كانت هناك دوافع سياسية تقف خلفها، أم أن هناك مشاكل حقيقية في تسيير شؤون الجماعة.
في التبريرات الرسمية التي قدمها الأعضاء المستقيلون، تم التركيز على عدة قضايا تتعلق بتسيير الجماعة. فقد أشاروا إلى صعوبة العمل داخل المجلس، متهمين الجهاز المسير للجماعة بعدم التفاعل الكافي مع القضايا المحلية، مثل ملف الماء الصالح للشرب الذي كان محط الكثير من النقاشات. كما عبروا عن استيائهم من غياب التعاون الفعلي بين الأطراف المختلفة في المجلس، معتبرين أن هناك نوعاً من “الجمود” في اتخاذ القرارات التي تصب في مصلحة المواطنين.
إلا أن هذه التبريرات الرسمية لم تلقَ قبولاً لدى الكثير من المراقبين المحليين، الذين رأوا فيها محاولات لتبرير قرار الاستقالة الذي اتخذ بشكل مفاجئ ودون سابق إنذار. إذ يتساءل البعض: لماذا تراجعت المعارضة بعد ثلاثة أشهر فقط من الانتخابات؟ لماذا لم يتم منح الفرصة الكافية للعمل على الملفات المحلية؟ هل كان الأمر فعلاً مجرد خلافات في التسيير أم أن هناك أموراً أخرى وراء الكواليس؟
حسب مصادر مقربة من الأوساط السياسية في فكيك، يبدو أن الأسباب الحقيقية وراء الاستقالات تكمن في دوافع سياسية أكثر منها تسييرية. يعتقد البعض أن المعارضة، التي تم انتخابها ضمن قائمة فيدرالية اليسار، لم تكن مستعدة لتولي المسؤولية ولم تتحلَّ بالصبر الكافي للعمل الجماعي داخل المجلس. وهذا يظهر من خلال فشلهم في التكيف مع طريقة العمل داخل الجماعة، ما أدى إلى تراجعهم بسرعة كبيرة.
وفي هذا السياق، يبرز سؤال مهم: هل كانت فيدرالية اليسار متوافقة مع هذه الاستقالات؟ وهل كانت هناك تنسيق بين أعضائها بخصوص التوجهات السياسية والتكتيك في التعامل مع الإدارة المحلية؟ الإجابة على هذه الأسئلة قد تكشف عن دوافع سياسية أعمق، حيث يمكن أن تكون الاستقالات جزءاً من استراتيجية أكبر تهدف إلى تعطيل عمل المجلس المحلي، خاصة في ظل التحديات الكبيرة التي تواجه الجماعة في مجالات مثل توفير الماء الصالح للشرب وتحسين الخدمات العامة.
وبحسب بعض التحليلات، فإن المعارضة كانت تسعى إلى خلق أجواء من الفوضى والإرباك في تسيير شؤون الجماعة بهدف إضعاف المكتب المسير الحالي. وقد يكون هذا التصرف جزءاً من رغبة أكبر في تصعيد الحملة السياسية ضد الحكومة المحلية، وبالتالي استثمار الوضع المحلي لصالح أجندة سياسية معينة.
من أبرز الملفات التي تم الإشارة إليها في تبريرات الاستقالات هو ملف الماء الشروب. فمن المعروف أن جماعة فكيك، مثل العديد من المناطق الأخرى، تعاني من مشاكل كبيرة في توفير الماء الصالح للشرب. وقد أصبح هذا الموضوع نقطة ارتكاز للنقاشات بين مختلف الأطراف السياسية في المدينة. ففي الوقت الذي يعتقد فيه البعض أن إدارة ملف الماء بشكل كافٍ يتطلب تضافر الجهود بين كافة مكونات المجلس، يرى آخرون أن هناك تقاعساً في التعامل مع هذه المشكلة الحقيقية التي تؤثر على حياة المواطنين.
إلا أن المعارضة، في سياق استقالتها، حاولت أن تجعل من هذا الملف ذريعة لزيادة منسوب الانتقادات للمكتب المسير. فمن خلال إثارة القضايا المتعلقة بتوفير الماء، حاولت المعارضة تحميل المجلس المسؤولية الكاملة عن تأخير الحلول، رغم أن هذه المسألة قد تتطلب وقتاً وجهداً كبيراً لتسويتها بشكل جذري. هذا التصعيد في الموضوع كان بمثابة أداة لتعميق الانقسام داخل المجلس.
تطرح هذه الاستقالات مجموعة من الأسئلة بشأن المستقبل السياسي لجماعة فكيك. فهل ستتمكن الجماعة من تجاوز هذه الأزمة وإعادة بناء الثقة بين أعضائها؟ وهل سيكون لهذه الاستقالات تداعيات على العلاقة بين الأطراف السياسية المختلفة في المنطقة؟
من المؤكد أن هذه الاستقالات ستكون نقطة تحول في طريقة عمل المجلس المحلي. فبعد استقالة الأعضاء التسعة، سيتعين على المكتب المسير أن يتعامل مع الفراغ السياسي الذي خلفته هذه الاستقالات، بما في ذلك إعادة تشكيل التوازنات داخل المجلس وإيجاد حلول لمشاكل الجماعة المتراكمة. وهذا سيكون اختباراً حقيقياً للقدرة على إدارة الشأن المحلي بنجاح في ظل الظروف الحالية.
استقالة أعضاء المعارضة في جماعة فكيك تأتي في سياق سياسي معقد، حيث يختلط فيها الصراع المحلي مع الدوافع السياسية. وبينما حاول الأعضاء المستقيلون تبرير قرارهم بناءً على صعوبات تسييرية، يبدو أن الواقع يكشف عن دوافع أعمق تتعلق بتوازنات القوى السياسية في المنطقة. وبالتالي، فإن تطور الأحداث في المستقبل سيكون مرتبطاً بكيفية تعامل الأطراف المختلفة مع هذا الوضع، ومدى قدرتها على تقديم حلول فعّالة للقضايا الأساسية التي تواجه المواطنين في فكيك.